طريقة المعتزلة في نفي الصفات
أول أصل عند المعتزلة : هو نفي صفات الله سبحانه وتعالى، وتبعهم في ذلك الشيعة .
يقولون: إن النصارى -وقد أخذوا ذلك عن يوحنا أو عن سيسويه- قد احتجوا على المسلمين؛ فقالوا لهم: إنكم تقولون: عيسى كلمة الله: ((بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ))[آل عمران:45] وتقولون: القرآن كلام الله وهو غير مخلوق، وفي نفس الوقت تعتقدون أن عيسى مخلوق وهو روح من الله وكلمة منه؛ فالنصارى يلزمون المسلمين إذا قالوا بأن الله يتكلم أن يقولوا: إن عيسى إله، لأنه كلمة الله، كما أن القرآن كلامه، لأن المسلمين يقرون أن عيسى كلمة الله، فيلزمهم أن يعتقدوا أن كلمة الله إله مثله.
فقال المعتزلة : نفر من هذا فنقول: إن عيسى مخلوق، وإن القرآن مخلوق؛ حتى لا يكون هناك تعدد في الآلهة، وقالوا في جميع الصفات مثل ذلك.
وقالوا: إذا قلنا: إن الذات قديمة ونحن نقول: إن الله تعالى ما سمى نفسه القديم، وإنما سمى نفسه الأول؛ قال تعالى: ((هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ))[الحديد:3] وبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء} لكنهم يقولون: (القديم) اعتماداً على عبارات فلاسفة اليونان فهم يقولون: إذا قلنا: الذات قديمة، وقلنا: هو العليم، والحكيم، والعزيز، والرحمن، والرحيم، والقاهر، والمتكبر، والجبار، وغير ذلك من الأسماء، استلزمت هذه الأسماء صفات، وهي العلم والحكمة والعزة والرحمة.. إلخ، وإذا وصفنا الله بصفات متعددة قديمة، لزم من ذلك تعدد القدماء، فيلزم تعدد الآلهة، وذلك محال والقول به كفر، وإذا بطل اللازم بطل الملزوم، فقالوا بنفي جميع الصفات، وإثبات الأسماء، وهذا القول منهم مبني على أن الصفات غير الموصوف، وأن تعددها يستلزم تعدد الموصوف، فهو عندهم عليم بلا علم، عزيز بلا عزة، حكيم بلا حكمة... إلخ.
فإن قيل: إن الأسماء ستكون متعددة وكثيرة، فيلزم المحظور الذي فررتم منه، قالوا: أسماء الله مترادفة، وليس لأي اسم منها معنى خاص، فلو سمينا أحداً: محمداً، وسميناه أيضاً: عبد الله، فدعوناه تارة محمداً وتارة عبد الله؛ فإنه هو هو، وليس في أحد الاسمين هناك معنى يختلف عما في الاسم الآخر، فلو قلت: العزيز، فهو مثل قولك: الرحيم، وهو مثل قولك: الحكيم، ومثلما لو قلت: الخبير، لا فرق في ذلك، فالكل في المعنى يساوي الله؛ فهو مرادف له فقط، وليس له معنى مستقل، وقد قال المعتزلة بذلك فراراً منهم -بزعمهم- من تعدد القدماء.